القرض الربوي تحت مسمى الاستثمار

تبيين حكم توظيف الأموال مع إظهار علة التحريم.
 

القرض الربوي تحت مسمى الاستثمار

مثال توضيحي للمسألة 

رجل يمتلك 100.000 جنيه ويريد أن يوظف هذه الأموال مع تاجر بحيث يأخذ نسبة محددة ثابتة سواء ربح هذا التاجر أم خسر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
هذه ليست من عقود التجارة الإسلامية في شيء، وكانت في القديم تسمى قرض ربوي، وكان يتعامل بهذه الصورة المسلمون والكافرون ويسمونها قروض ربوية، حتى حرم رسول الله ﷺ هذه المعاملة في حجة الوداع فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ «... وربا الجاهليةِ موضوعٌ، وأولُ ربًا أضعُ من رِبَانَا ربا العباسِ بنِ عبدِ المطلبِ، فإنَّهُ موضوعٌ كلُّه ...» [صحيح مسلم] وكثير من الآيات والأحاديث تحذر من الربا وتتوعد المرابين.
وظلت هذه المعاملة تسمى القروض الربوية حتى ظهر أول صندوق استثماري عام 1822م وتحديدا في هولندا، وضم هذا الصندوق القروض الربوية تحت بند من بنود الاستثمار، فأصبح الغرب يسميها استثمارا وتبعهم عوام الناس في هذه التسمية، أما أهل العلم والمسلمين المتمسكين بدينهم مازالوا إلى الآن يسمون هذه المعاملة باسم القروض الربوية.
وتوظيف الأموال بهذه الصورة تقتضي أخذ مال الإنسان من غير عوض، فقد أعطيته 100.000 وهي محفوظة لك ثم أخذت النسبة الثابتة وهذا عين الربا، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدريّ -رضي الله عنه- قال: «جَاءَ بلَالٌ بتَمْرٍ بَرْنِيٍّ، فَقالَ له رَسولُ اللهِ ﷺ: مِن أَيْنَ هذا؟ فَقالَ بلَالٌ: تَمْرٌ كانَ عِنْدَنَا رَدِيءٌ، فَبِعْتُ منه صَاعَيْنِ بصَاعٍ لِمَطْعَمِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَ رَسولُ اللهِ ﷺ عِنْدَ ذلكَ: أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا، لا تَفْعَلْ، وَلَكِنْ إذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ التَّمْرَ فَبِعْهُ ببَيْعٍ آخَرَ، ثُمَّ اشْتَرِ بهِ»
 

إذا رضي الطرف المدفوع له المال بتحمل الخسار وحدة واشترط ذلك هل تصير بذلك المعاملة صحيحة؟

لا تصير المعاملة صحيحة بهذا الشرط؛ وذلك أن الإنسان ظلم نفسه وهذ حرام، ويستوجب التوبة فقد قال ربنا عز وجل «وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ» [آل عمران: 135].
وإن ساعده إنسان في ظلم نفسه يأثم هو الآخر وذلك لقول ربنا عز وجل «وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ» [المائدة: 2]
واشتراط الإنسان ظلم نفسه ليس من كتاب الله ولا سنة رسوله في شيء، وقد صح عن قال رسول الله ﷺ من طريق عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله ﷺ «ما بال أقوامٍ يشترطون شروطًا ليست في كتابِ اللهِ ، ما كان من شرطٍ ليس في كتابِ اللهِ فهو باطلٌ وإن كان مئةَ شرطٍ ، كتابُ اللهِ أحقُّ ، وشرطُ اللهِ أوثقُ»
وتراضي الطرفين على هذا العقد لا يصيره حلالا، لما ذكرت، ولأن الزنا يقع بالتراضي بين ومع ذلك لا يسقط عنهما الحد أو الإثم.
 
ولا يجوز تسمية هذه المعاملة بغير اسمها، واسمها هو الربا، ومن يسمي الأشياء المحرمة بسم يوهم الناس أنها حلال فهو آثم والعكس كذلك والمادح لهؤلاء آثمٌ مثلهم، وفي ذلك يقول العلامة محمد مولود بن أحمد فال اليعقوبي الشنقيطي في نظم محارم اللسان
لِذَا مُسَمِّي الْحِرْمِ بِاسْمٍ يُوهِمُ ۞۞۞ أنْ لَيْسَ حِرْمَاً آثِمٌ، وَآثِمُ
آتٍ بِمَا يُوهِـــــــمُ مَنْعَ الْحِلِّ ۞۞۞ وَمَادِحٌ ظُلْمَ البُغَاةِ العُدْلِ
 

ولهذه المعاملات أضرار كثيرة

  • تضر بالمجتمع فهي تمنع الناس عن الاشتغال بالمكاسب، وذلك لأن صاحب الأموال إذا تمكن بواسطة عقد الربا من تحصيل الدرهم الزائد - نقداً كان أو نسيئة - خف عليه اكتساب وجه المعيشة، فلا يكاد يتحمل مشقة الكسب والتجارة والصناعات الشاقة، وذلك يفضي إلى انقطاع منافع الخلق
  • هذه المعاملة تفضي إلى انقطاع المعروف بين الناس من القرض الحسن الذي حث عليه الإسلام في أكثر من موضع
  • وهي تقتضي أخذ مال الناس بدون عوض
  • وتنزع روح التعاون والرحمة بين الناس، وصرف تفكيرهم إلى الدنيا، وجعل تعلقهم بالماديات البحتة، وهذا الأمر يعاني منه المجتمع الأوروبي ويسعون لتغييره.

ثم نجد بعد ذلك أناس يتسرعون في إباحة هذا النوع من الاستثمار(الربا)، بدون الرجوع إلى أصل المسألة، وهذا يدل على جهلهم أو اتباع أهوائهم ويحرم على هؤلاء التصدر للفتوى.
 
مرحباً بكم أنا محمد عبدالقادر باحث في كلية الدرسات العليا جامعة الأزهر بالقاهرة، درست علم نفس، و تاريخ، ومنطق قديم ، وفلسفة ،وشاركت في دورات تأسيس الوعي الإسلامي، ودرست الملل والنحل والرد على الشبها…

إرسال تعليق