الدين والسياسة
أولا: تعريف كل منهما
السياسة باختصار شديد: رعاية كافة شؤون الدولة الداخلية والخارجية.أما الدين: فهو الشيء الذي يعتقده الإنسان ويقدسه ويخضع له طواعية [1]
ثانيا: الدليل على أن السياسة جزء من الدين؟
الذي يعنينا هنا هو الدين الإسلامي لأنه الدين الوحيد الذي لم يحرف وهو دين كامل.إن الإنسان خلقه الله ووضع لحياته ضوابط، فمن يستطيع أن يعرف مصالح الإنسان أكثر من خالقة ومن يشرع له بعد أن شرع الله له، ومن يرتضي أن يحكم بغير ما حكم به الله فهو يزعم الإيمان فقد قال الله تعالى: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إليكَ وَمَا أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أمروا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا"[2] فإن لم تكن السياسة جزء من الدين لما حذر الله من الاحتكام إلى الطاغوت وقد قال أيضا: "فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا"[3]
وقال تعالى: "وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ"[4] وأيضا إن لم تكن السياسة من الدين فلماذا تعامل بها الرسول والخلفاء، ولماذا تقدم لها الصحابة رضي الله عنهم، وإذا لم يتقدم لها أهل الدين المصلحين فسوف يتقدم لها أهل الباطل المفسدون ولا يجوز لمثل هؤلاء أن يحكموا الناس.
كيف فرقوا بين الدين والسياسة؟
منذ القرن العشرين و العالم يشهد تغيرات كثيره جدا وما يعنينا هنا هو محاولة فصل الدين عن شؤن المجتمع وهذه الفكرة لم تنشأ عن فراغ ولكن عندما طغت الكنيسة على الشعب وسيطرة على مقاليد الأمور لدرجة أن الكنيسة إذا تبنة فكرة فلا يستطيع أحد أن يعارض هذه الفكرة وإلا فإنه يقاسي أشد العذاب، وكان القسيسين و الرهبان لا يعصى لهم أمر حتى زعموا انهم ظل الله في الأرض، وأنهم يغفرون الذنوب، وهم من يدخلون الجنة أو النار، ومِثَالُ ذلك أن الكنيسة تبنة فكرة أن الارض ثابتة فلما قام أحد العلماء بإثبات أن الارض متحركة وهي تدور حول الشمس وحول نفسها قاموا بإحراقه حتى مات، ووصل بهم الحال إلى أنهم طبعوا المفاتيح للجنود ويقولون لهم اقتلوا فإن متم فهذه مفاتيح الجنة، فلما أن انتهى صبر الشعب وكرهوا رجال الدين قالوا لا نريد للدين أن يحكم بعد الآن.وقال لنا الدكتور طه حبيشي -رحمه الله- أثناء شرحه لكتابه (التيارات والمذاهب المعاصرة) إن رجال الكنيسة باسم الدين سلبوا من الناس الحريات الاساسية.
وأيضا الحرية الفكرية: وهي أن تكون حر فيما تقرأ وما تكتب.
وسلبوا الحرية الاقتصادية: وهي أن تملك ما تريد وتنفق فيما تريد
ومعهم أيضا الحرية السلوكية: وهي أن تكون حر في تصرفاتك
ولذلك سمية العصور الوسطى في أوروبا بالعصور المظلمة لأنهم كان يحرم عليهم البحث والتعلم ومن هنا ظهرة فكرة العلمانية. (انتهى كلام الدكتور -رحمه الله-)
وتعرف العلمانية في معجم اكسفورد: بالمادية أو الا دينيه.
أما في دائرة المعارف البريطانية فمعناها: الدنيوي مقابل الاخروي.
ومن هنا جعلوا العلمانية كبديل عن الدين في الحكم وأقاموا الدولة على أساس علمي بحت واقتصروا الدين في دور العبادة وهذا سبب لهم اكتئاب وانتشر الانتحار بين أفراد المجتمع؛ لأنهم اهتموا بالجانب الجسماني وأهملوا الجانب الروحاني.
كيف روج للعلمانية في المجتمعات العربية؟
لقد سألت هذا السؤال للدكتور جمال عفيفي أستاذ ورئيس قسم العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين بالقاهرة -حفظه الله- أثناء محاضرة عن العلمانية فقال لي: لما علموا أن الشعوب الإسلامية لا ترتضي غير الإسلام حاولوا أن يخدعوهم وينشروا الإلحاد تحت مظلة العلم حتى لا يعارضهم أحد ونسوا أن الدين في أصل ذاته يحث الناس عن العلم.فقالوا: هي عِلمانية بكسر العين نسبة الى العلم في محاولة خبيثة لجعل من يعارضها كأنه يعارض العلم فيتهموه بأنه معادي للعلم ويريد نشر الجهل في المجتمع. ولكن علماء اللغة ردوا عليهم
فقالوا: إن العلم عندما ينسب إليه يصير علمي وليس عِلماني. فهي محاولة فاشلة من جاهل لنشر الإلحاد والفواحش.
فلما فشلوا قالوا: هي عَلمانية بفتح العين نسبة الى العالم. فرد عليهم علماء اللغة وقالوا: إن النسبة إلى العالم عالمي وليس علماني.
ولكن مع ردنا لشبههم إلا أن أصحاب الهوى انقادوا لهم لتحقيق شهواتهم وهم قليل. وكانوا يأخذون الشباب ويغروهم بالمال والنساء ويضعوهم في مناصب مرموقة لينشروا هذه الأفكار الخبيثة ويكون ولائهم لأولئك المفسدون.
ولكن طالما هناك شباب صادقين وضعوا بغيتهم نصرة الدين فلن يتمكنوا من نشر افكارهم المسمومة الهدامة فالأمة بخير طالما شبابها بخير وهي قوية طالما لا يخاف الدعاة من قول الحق وهي مزدهرة طالما حكامها يخافون الله. (انتهى كلام الدكتور حفظه الله)
[1] - شرح الدكتور طه حبيشي لكتابه (التيارات والمذاهب المعاصرة) تحت عنون " التقابل بين العلم والدين "
[2] - سورة: النساء (60)
[3] - سورة: النساء (65)
[4] - سورة: الشورى (10)