حكم العسكر | المماليك والأحرار
عهدان بين بداية كل منهما مئات السنين، ولكن
ما اشبه اليوم بالبارحة، بين يوم يحكم فيه الرئيس الزعيم قائد المسيرة من قصور
الرئاسة بقاهرة القرنين العشرون والحادي والعشرون، وبارحة تسلط فيها سلطان البرين
وملك البحرين وخادم الحرمين الشريفين حامي حمى المسلمين من قصرة في قلعة الجبل
بالقاهرة المملوكية، قرون تفصل بين هذا وذاك ولكن الاتفاق والتشابه هما اسم اللعبة
التي بدأت بظروف أنتجت لنا ما يسمى بحكم العسكر.
ظروف الميلاد كانت هي نفس الظروف تقريبا، مع فوارق بسيطة يحكمها اختلاف الزمن عن الزمن، فكل من الحكمين، الثوري بعد انقلاب 1952 م، والمملوكي بعد سقوط دولة خلفاء صلاح الدين الايوبي، جاء نتيجة ظروف سياسية قاسية مرت بها الأمة.
وكانت أثار نكبة فلسطين 1948 م لاتزال متورمة نازفة في جسد الأمة، مما كان يضاعف حالة الغضب العام في الشارع السياسي واستعداده لتقبل فكرة التحرك العنيف للاستيلاء على الحكم، وهذا ما حدث في الانقلاب العسكري الذي نفذه الجيش في 23 / يوليو / 1952م (عدى سلاح البحرية) الذي بقى على ولائه للملك باعتباره الحاكم الشرعي للدولة، بل وكان يستطيع التدخل لولا أن رفض الملك؛ حتى لا يتسبب في وقوع حرب أهلية في مصر.
في تلكم الظروف جاء حكم العسكريين ليُدخل مصر بمرحلة ممتدة حتى الآن، وإن اختفت الأزياء العسكرية وراء الأزياء المدنية.
المماليك كانوا عبارة عن رقيق أبيض اشتراهم ملوك الايوبيين بالآلاف من روسيا واسيا الصغرى، وكانوا يدربونهم من الصغر على حمل السلاح والتعصب للدفاع عن الدين، تزايدوا حتى صاروا قوة سياسية يحسب لها ألف حساب، وجاء الوقت ليتولوا الحكم بعد أن أحسوا انهيارا واقعيا لقوة الايوبيين مما يؤثر على استقلال وحدة الامة، مما جعلهم يؤمنون أنهم يمثلون الدرع الوحيدة للأمة الإسلامية أمام الاخطار الوافدة عليها من الخارج وأن من واجبهم التدخل لإنقاذ الدولة من الدمار وقد كان هذا.
بعد وفات السلطان نجم الدين أيوب ملك مصر والشام استدعى قادة المماليك ابنه (توران شاه) من الموصل التي كان يحكمها آن ذك، وبايعوه ملكا على البلاد، لكن هذا الأخير لم يكن على قدر المسؤولية، بل كان شديد الرعونة والغباء حتى أنه في ذل الوقت الحرج كان يتأمر على قادته للتخلص منهم غيرة من شعبيتهم بعد الانتصارات التي حققوها على الحملة الصليبية السابعة في دمياط والمنصورة، مما اضطر هؤلاء القادة إلى قتله، كانت النتيجة وقوع البلاد في ازمة فراغ سياسي في مرحلة حرجة تحتاج فيها إلى قائد، لهذا وبعد مشاورات دقيقة، بايع القادة المماليك زوجته شجرة الضر سلطانة على البلاد وأعلنوا بدأ الجهاد ضد العدو، ليبدأ بذلك عصر من أكثر العصور تميزا في التاريخ وهو العصر المملوكي. (يتبع)
ظروف الميلاد كانت هي نفس الظروف تقريبا، مع فوارق بسيطة يحكمها اختلاف الزمن عن الزمن، فكل من الحكمين، الثوري بعد انقلاب 1952 م، والمملوكي بعد سقوط دولة خلفاء صلاح الدين الايوبي، جاء نتيجة ظروف سياسية قاسية مرت بها الأمة.
ظروف صعود النظام الثوري العسكري عشية انقلاب يوليو 1952م
عشية 23 / يوليو / 1952 م كانت مصر تعيش ظروف شديدة القسوة ففي القاهرة كان نظام حكم الملك فاروق الأول يتهاوى بين كلابات السيطرة البريطانية على السياسة المصرية، وفساد نسبة لا بأس بها من رجالات الحكم وقلة خبرة الملك الذي لم يكن إخلاصه الحقيقي كافيا ليعوض ضعف قدرته على تسيير دولة كمصر في ظروف كتلك التي عاشتها، للأسف كان الرجال القادرين على معاونته في رغبته الصادقة لبناء مصر قوية ومستقلة غائبين إما في معاركهم السياسية بينهم (الاحزاب) وفي محاولتهم مص ثروات الدولة في بطونهم (الحاشية) مستغلين عاطفية الملك الشاب وضعف قدرته على تمييز العناصر الجيدة من العناصر الفاسدة من رجال الحكم.وكانت أثار نكبة فلسطين 1948 م لاتزال متورمة نازفة في جسد الأمة، مما كان يضاعف حالة الغضب العام في الشارع السياسي واستعداده لتقبل فكرة التحرك العنيف للاستيلاء على الحكم، وهذا ما حدث في الانقلاب العسكري الذي نفذه الجيش في 23 / يوليو / 1952م (عدى سلاح البحرية) الذي بقى على ولائه للملك باعتباره الحاكم الشرعي للدولة، بل وكان يستطيع التدخل لولا أن رفض الملك؛ حتى لا يتسبب في وقوع حرب أهلية في مصر.
في تلكم الظروف جاء حكم العسكريين ليُدخل مصر بمرحلة ممتدة حتى الآن، وإن اختفت الأزياء العسكرية وراء الأزياء المدنية.
ظروف صعود المماليك للحكم عشية سقوط دولة الايوبيين
صلاح الدين الايوبي كان قائدا عظيما، ولأن أخطاء العظماء عظيمة مثلهم فقد ارتكب خطئا سياسيا بالغ الخطورة عندما قام قبل موته بتقسيم الدولة القوية التي أسسها بين أبنائه وأبناء إخوته وأخيه الملك العادل، كان صلاح الدين بتلك الخطوة قد هدم ما قضى عمره في بنائه وهو مشروع الدولة الإسلامية الموحدة، سرعان ما ظهرت الصراعات بين ورثة القائد العظيم، وبدأت الحروب تنشب بين إخوة الأمس مما دفع الملك العادل للتدخل لإنقاذ مشروع الامة الموحدة الذي قام به صلاح الدين الايوبي وبدأ يحجم ملك أبنا أشقائه واحدا تلو الاخر حتى أصبح المسيطر على أكبر مساحة ممكنة من الدولة الايوبية، وللأسف عاد الصراع بعد موت الملك العادل، في وقت كان الصليبيون يبدؤون فيه استكمال مشروعهم الاحتلالي في الشام، وكان المغول يطرقون بوحشية أبواب المشرق العرب الإسلامي، هنا كان لابد من تدخل القوة العسكرية الممثلة في المماليك.المماليك كانوا عبارة عن رقيق أبيض اشتراهم ملوك الايوبيين بالآلاف من روسيا واسيا الصغرى، وكانوا يدربونهم من الصغر على حمل السلاح والتعصب للدفاع عن الدين، تزايدوا حتى صاروا قوة سياسية يحسب لها ألف حساب، وجاء الوقت ليتولوا الحكم بعد أن أحسوا انهيارا واقعيا لقوة الايوبيين مما يؤثر على استقلال وحدة الامة، مما جعلهم يؤمنون أنهم يمثلون الدرع الوحيدة للأمة الإسلامية أمام الاخطار الوافدة عليها من الخارج وأن من واجبهم التدخل لإنقاذ الدولة من الدمار وقد كان هذا.
بعد وفات السلطان نجم الدين أيوب ملك مصر والشام استدعى قادة المماليك ابنه (توران شاه) من الموصل التي كان يحكمها آن ذك، وبايعوه ملكا على البلاد، لكن هذا الأخير لم يكن على قدر المسؤولية، بل كان شديد الرعونة والغباء حتى أنه في ذل الوقت الحرج كان يتأمر على قادته للتخلص منهم غيرة من شعبيتهم بعد الانتصارات التي حققوها على الحملة الصليبية السابعة في دمياط والمنصورة، مما اضطر هؤلاء القادة إلى قتله، كانت النتيجة وقوع البلاد في ازمة فراغ سياسي في مرحلة حرجة تحتاج فيها إلى قائد، لهذا وبعد مشاورات دقيقة، بايع القادة المماليك زوجته شجرة الضر سلطانة على البلاد وأعلنوا بدأ الجهاد ضد العدو، ليبدأ بذلك عصر من أكثر العصور تميزا في التاريخ وهو العصر المملوكي. (يتبع)
أحمد عيد أبو سالم