الحرب على الاخلاق | السوفسطائيون الجدد
بسم الله الرحمن الرحيم
عن المفسدين في الأرض، كل من أفسد عقلا ، أو نشر فكر مختلا أدى به إلى إعادة مجتمعه خطوات إلى الوراء بدلا من أن يتقدم به.
مخطئ من يظن أن أول فساد في الأرض كان قتل قابيل لأخيه هابيل ، فالفساد الحقيقي بدأ من نشأة الفكر الذي سمح لقابيل أن يستبيح دم أخيه ، فلا أكثر فسادا في الأرض من فكر فاسدا يقلب الظلم عدل ، والباطل حق ، والشر خير.
وهذا الفكر الفاسد قد يؤدي إلى تدمير حضارة بأكملها ، ولقد وجد هذا الفكر الهدام في بلاد اليونان القديمة ، تبناه السوفسطائيون (كلمة سوفسطائي كانت تعني المعلم وكانت تطلق على طائفة من المعلمين الجوالين المنتشرين في مدن اليونان قبل الميلاد بأربعمائة عام تقريبا ، ثم انحرفوا وصار السوفسطائي تعني الشخص المنكر للحقيقة) وكانت المدن اليونانية في ذلك الوقت تشهد ثورة فكرية عارمة على الأفكار التقليدية ، وعلى كل ما هو ثابت وراسخ في ضمير اليونانيين ثم انتشر بينهم تيار قوي يدعوا إلى هدم كل الأسس الدينية والأخلاقية والسياسية التي نشأ عليها المجتمع.
مِعْول الهدم نال من النظام الارستقراطي للحكم ، فهدمه وأحل محله النظام الديمقراطي، ثم وصل إلى قواعد العلم فشكك فيها وأهدرها ، ونال بعد ذلك من الآلهة فسخر منها ورفضها.
كل هذا كان سيكون مفيدا ، لولا وصول التيار إلى الاخلاق ، مما أشاع حالة من الفوضى الأخلاقية في المجتمع الذي انتشر فيه الفساد والانحلال خصوصا بين الجيل الناشئ المتبني لتلك الفكرة.
الفكر السوفسطائي أدى إلى موجة عاتية من اختلال المعاير في المجتمع اليوناني القديم ، وهدد الثوابت الأخلاقية والقيم الحضارية لهذا المجتمع بالضياع ، ونشر حالة من الفوضى بين شبابه الذين استهوت دعوى السفطسة جُهالهم ، وجذبتهم إليها بما فيها من وعود براقة بتحقيق أعلى المكاسب الشخصية دون وجه حق.
كما أدى إلى انتشار الجريمة والظلم المتبادل في المجتمع بين من يعتبرون أنفسهم مقاييس حصرية للحق والعدل والخير فقط لأنهم يؤمنون بذلك دون برهان أو دليل ، تلك الأخطار أثارت خوف العقلاء والمحافظين من اليونانيين ، فثاروا على السوفسطائيون وطاردوهم في كل مكان وأحرقوا كتبهم.
ما أشبه اليوم بالبارحة
إن ما يحدث الآن في المجتمع من فساد وتدني للقيم والمبادئ ؛ ما هو إلا نتيجة فكر فاسد لبعض الأشخاص الذين سعوا على فساد المجتمع من خلال بعض الشعارات الكاذبة ، والمضللة ، كالنداء بحرية المرأة ، وضرورة الاختلاط ، فحرية المرأة ليست بأن تخلع حجابها وتختلط بالرجال.إن ما يشهده المجتمع من حرب على الاخلاق والتراث الديني من تشويه لرمز الدين ، والحرب على القيم والبادئ بدعوى التحضر ما هو إلا فساد في الأرض ، فالحرب على الاخلاق هي أبشع الحروب.
وقد صدق أمير الشعراء أحمد شوقي حين قال:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن هم ذهبت
أخلاقهم ذهبوا
كاتب المقالة : أحمد عيد أبو سالم